فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

وقيل: ما اسْتِفْهَامٌ.
والمعنى: فَبِأي رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُم؛ فهو تعجب.
وفيه بُعْدٌ؛ لأنه لو كان كذلك لكان فبم بغير ألف. اهـ.

.من بدائع ابن القيم:

قال عليه الرحمة:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ} أي ما لنت لهم إلا برحمة من الله ولا تسمع قول من يقول من النحاة أن ما زائدة في هذه المواضع فإنه صادر عن عدم تأمل.
فإن قيل: فمن أين لكم أفادت ما هذه المعنيين المذكورين من النفي والإيجاب وهي لو كانت على حقيقتها من النفي الصريح لم تفد إلا معنى واحد وهو النفي فإذا لم يكن النفي صريحا فيها كيف تفيد معنيين قيل: نحن لم ندع أنها أفادت النفي والإيجاب بمجردها ولكن حصل ذلك منها ومن القرائن المحتفة بها في الكلام أما قولهم شر ما جاء بها فلما انتظمت مع الاسم النكرة والنكرة لا يبتدأ بها فلما قصد إلى تقديمها علم أن فائدة الخبر مخصوصة بها وأكد ذلك التخصيص بما فانتفى الأمر عن غير هذا الاسم المبتدأ ولم يكن إلا له حتى صار المخاطب يفهم من هذا ما يفهم من قوله ما جاء به إلا شر واستغنوا هنا بما هذه عن ما النافية وبالابتداء بالنكرة عن إلا وأما قولك إنما زيد قائم فقد انتظمت ب أن وامتزجت معها وصارتا كلمة واحدة وأن تعطى الإيجاب الذي تعطيه إلا وما تعطي النفي ولذلك جاز إنما يقوم أنا ولا تكون أنا فاعله إلا إذا فصلت من الفعل ب إلا تقول ما يقوم إلا أنا ولا تقول يقوم أنا فإذا قلت: إنما قام أنا صرت كأنك لفظت ما مع إلا قال:
أدافع عن أعراض قومي وإنما ** يدافع عن أعراضهم أنا أو مثلي

فإذا عرفت أن زيادتها مع أن واتصالها بها اقتضى هذا النفي والإيجاب فانقل هذا المعنى إلى اتصالها بحرف الجر من قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله} و{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} وتأمل كيف تجد الفرق بين هذا التركيب وبين أن يقال فبرحمة من الله وفبنقضهم ميثاقهم وإنك تفهم من تركيب الآية ما لنت لهم إلا برحمة من الله وما لعناهم إلا بنقضهم ميثاقهم وكذلك قوله: {فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} دلت على النفي بلفظها وعلى الإيجاب بتقديم ما حقه التأخير من المعمول وارتباط ما به مع تقديم كما قرر في قولهم شر ما جاء به وقد بسطنا هذا في كتاب الفتح المكي وبينا هناك أنه ليس في القرآن حرف زائد وتكلمنا على كل ما ذكر في ذلك وبينا أن كل لفظة لها فائدة متجددة زائدة على أصل التركيب ولا ينكر جريان القلم إلى هذه الغاية وإن لم يكن من غرضنا فإنها أهم من بعض ما نحن فيه وبصدده. اهـ.

.قال صاحب سر الفصاحة:

أما زيادة: ما في قول الله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم} وقوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم} فإن لها هنا تأثيرًا في حسن النظم وتمكينًا للكلام في النفس وبعدًا به عن الألفاظ المبتذلة، فعلى هذا لا يكون حشوا لا يفيد. وأهل النحو يقولون إن ما في هذا الموضع صلة مؤكدة للكلام، وقد يكون التوكيد عندهم بالتكرار كما يكون بالعلامة الموضوعة له، وإذا أفاد الكلام شيئًا فليس من الحشو المذموم لأن حقيقة الحشو هو الذي يكون دخوله في الكلام وخروجه على سواء. وإنما الغرض به إقامة الوزن في الشعر أو ما يجرى مجرى ذلك في النثر، وقد جاءت أيضا: ما في الشعر أيضا على معنى ما وردت في الآية قال الشاعر:
فاذهبي ما إليك أدركني الح ** لم عداني عن هيجكم اشغالي

ومن هذا القبيل أيضا دخولها في: ابنما. قال المتلمس:
وهل لي أم غيرها إن تركتها ** أبى الله ألا أن أكون لها ابنما

وقال الآخر:
لقيم بن لقمان من أخته ** فكان ابن أخت له وابنما

وورودها في هذا الموضع خاصة كثير، فهذا مبلغ ما نقوله في الحشو ليكون دليلا على غيره ومنبها على مثله. اهـ.

.قال ابن الجوزي رحمه الله:

باب ما:
ما في الكلام على ضربين اسم وحرف فإذا كانت اسما فهي على خمسة أقسام:
أحدها أن تكون خبرا في التعجب لا صلة لها كقولك ما أحسن زيدا وما أعلم بكرا وقد وقعت خبرا لا صلة في قوله تعالى: {فنعما هي}.
والثاني أن تكون خبرا بمعنى الذي موصولة كقوله تعالى: {ما عندكم ينفد وما عند الله باق}.
والثالث أن تكون استفهاما نحو ما عندك.
والرابع أن تكون للشرط والجزاء كقولك ما تفعل أفعل.
والخامس أن تكون نكرة موصوفة نحو قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة} ويجوز أن تكون ما في هذا الموضع زائدة ويجوز أن تكون بمعنى الذي في قراءة من رفع بعوضة وكذلك ما في قوله تعالى: {هذا ما لدي عتيد} أي هذا شيء عتيد لدي.
وإذا كانت حرفا فهي على أربعة أقسام:
أحدها أن تكون زائدة.
والثاني أن تكون نافية.
والثالث أن تكون مصدرية نحو قوله تعالى: {بما كانوا يكذبون} أي بكذبهم {ومما رزقناهم ينفقون}.
والرابع أن تكون كافة عن العمل نحو: {إنما الله إله واحد} {ربما يود الذين كفروا} فقد كفت أن ورب عن العمل وقال ابن قتيبة ما ومن أصلها واحد فجعلت من للناس وما لغير الناس تقول من مر بك من القوم وما مر بك من الإبل.
وذكر بعض المفسرين أن ما في القرآن على سبعة أوجه:
أحدها أن تكون صلة ومنه قوله تعالى في البقرة {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها} وفي آل عمران {فبما رحمة من الله لنت لهم} وفي سورة النساء {فبما نقضهم ميثاقهم} {يكذبون} أي بكذبهم {ومما رزقناهم ينفقون}.
والرابع أن تكون كافة عن العمل نحو: {إنما الله إله واحد} {ربما يود الذين كفروا} فقد كفت أن ورب عن العمل.
وقال ابن قتيبة ما ومن أصلها واحد فجعلت من للناس وما لغير الناس تقول من مر بك من القوم وما مر بك من الإبل.
وذكر بعض المفسرين أن ما في القرآن على سبعة أوجه- أحدها أن تكون صلة ومنه قوله تعالى في البقرة {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها} وفي آل عمران {فبما رحمة من الله لنت لهم} وفي سورة النساء {فبما نقضهم ميثاقهم}.
والثاني بمعنى النفي ومنه قوله تعالى في البقرة {وما ظلمونا} وفي الأنعام {ما كنا مشركين} وفي الأعراف {وما كنا غائبين} وفي يوسف {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} وفي المؤمنين {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله} وفي النمل {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} وفي حم السجدة {وما ربك بظلام للعبيد} وفي ق {وما أنت عليهم بجبار}.
والثالث بمعنى التعجب وتقديره أي شيء ومنه قوله تعالى في البقرة {فما أصبرهم على النار} وفي عبس {قتل الإنسان ما أكفره}.
والرابع بمعنى الذي ومنه قوله تعالى في البقرة {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} وفي المؤمنين {أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين} وفي سبأ {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم} وفي حم السجدة {ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك} وفي الزخرف {وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون}.
والخامس بمعنى كما ومنه قوله تعالى تعالى في يس {لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم} والحقه قوم بقسم الذي والسادس بمعنى الاستفهام ومنه قوله تعالى في البقرة {ما تعبدون من بعدي} والسابع بمعنى من ومنه قوله تعالى في الشمس {والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها} وفي الليل {وما خلق الذكر والأنثى} وقد جعله قوم بقسم (الذي) أيضا فذكر ابن قتيبة عن أبي عمرو أنه قال هي بمعنى الذي قال وأهل مكة يقولون إذا سمعوا الرعد سبحان ما سبحت له. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذه الآية دلت على أن رحمة الله هي المؤثرة في صيرورة محمد عليه الصلاة والسلام رحيما بالأمة، فإذا تأملت حقيقة هذه الآية عرفت دلالتها على أنه لا رحمة إلا لله سبحانه، والذي يقرر ذلك وجوه:
أحدها: أنه لولا أن الله ألقى في قلب عبده داعية الخير والرحمة واللطف لم يفعل شيئًا من ذلك، وإذا ألقى في قلبه هذه الداعية فعل هذه الأفعال لا محالة، وعلى هذا التقدير فلا رحمة إلا لله:
وثانيها: أن كل رحيم سوى الله تعالى فإنه يستفيد برحمته عوضا، إما هربا من العقاب، أو طلبا للثواب، أو طلبا للذكر الجميل، فإذا فرضنا صورة خالية عن هذه الأمور كان السبب هو الرقة الجنسية، فإن من رأى حيوانا في الألم رق قلبه، وتألم بسبب مشاهدته إياه في الألم، فيخلصه عن ذلك الألم دفعا لتلك الرقة عن قلبه، فلو لم يوجد شيء من هذه الأعراض لم يرحم ألبتة، أما الحق سبحانه وتعالى فهو الذي يرحم لا لغرض من الأغراض، فلا رحمة إلا لله، وثالثها: أن كل من رحم غيره فإنه إنما يرحمه بأن يعطيه مالا، أو يبعد عنه سببا من أسباب المكروه والبلاء، إلا أن المرحوم لا ينتفع بذلك المال إلا مع سلامة الأعضاء، وهي ليست إلا من الله تعالى، فلا رحمة في الحقيقة إلا لله، وأما في الظاهر فكل من أعانه الله على الرحمة سمي رحيما، قال عليه السلام: «الراحمون يرحمهم الرحمن» وقال في صفة محمد عليه السلام: {بالمؤمنين رؤوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128] ثم قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
واعلم أن كمال رحمة الله في حق محمد صلى الله عليه وسلم أنه عرفه مفاسد الفظاظة والغلظة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الفاء للتفريع على ما اشتمل عليه الكلام السابق الَّذي حُكي فيه مخالفة طوائف لأمر الرسول من مؤمنين ومنافقين، وما حكي من عفو الله عنهم فيما صنعوا.
ولأنّ في تلك الواقعة المحكية بالآيات السابقة مظاهر كثيرة من لين النَّبيء صلى الله عليه وسلم للمسلمين، حيث استشارهم في الخروج، وحيث لم يثرِّبهم على ما صنعوا من مغادرة مراكزهم، ولمَّا كان عفو الله عنهم يعرف في معاملة الرّسول إيّاهم، ألاَن الله لهم الرسول تحقيقًا لرحمته وعفوه، فكان المعنى: ولقد عفا الله عنهم برحمته فَلاَن لهم الرسول بإذن الله وتكوينه إيّاه راحمًا، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107].
والباء للمصاحبة، أي لنتَ مع رحمة الله: إذ كان لينه في ذلك كلّه لينًا لا تفريط معه لشيء من مصالحهم، ولا مجاراةً لهم في التساهل في أمر الدّين، فلذلك كان حقيقًا باسم الرحمة.
وتقديم المجرور مفيد للحصر الإضافي، أي: برحمة من الله لا بغير ذلك من أحوالهم، وهذا القصر مفيد التعريض بأنّ أحوالهم كانت مستوجبة الغلظ عليهم، ولكن الله ألاَن خلق رسوله رحمة بهم، لحكمة علمها الله في سياسة هذه الأمَّة.
وزيدت ما بعد باء الجرّ لتأكيد الجملة بما فيه من القصر، فتعيّنَ بزيادتها كون التَّقديم للحصر، لا لمجرد الاهتمام، ونبّه عليه في الكشاف.
واللِينُ هنا مجاز في سعة الخلق مع أمّة الدعوة والمسلمين، وفي الصفح عن جَفاء المشركين، وإقالة العثرات.
ودلّ فعل المضيّ في قوله: {لنت} على أنّ ذلك وصف تقرّر وعرف من خُلقه، وأنّ فطرته على ذلك برحمة من الله إذ خلقَه كذلك {والله أعلم حيث يجعل رسالاته} [الأنعام: 124]، فخلق الرسول مُناسب لتحقيق حصول مراد الله تعالى من إرساله، لأنّ الرسول يجيء بشريعة يبلّغها عن الله تعالى، فالتبليغ متعيّن لا مصانعة فيه، ولا يتأثّر بخلق الرسول، وهو أيضا مأمور بسياسة أمَّته بتلك الشريعة، وتنفيذها فيهم، وهذا عمل له ارتباط قوي بمناسبة خُلق الرسول لطباع أمّته حتَّى يلائم خلقه الوسائل المتوسَّل بها لحمل أمَّته على الشَّريعة الناجحة في البلوغ بهم إلى مراد الله تعالى منهم.
أرسل محمَّد صلى الله عليه وسلم مفطورًا على الرحمة، فكان لِينه رحمة من الله بالأمَّة في تنفيذ شريعته بدون تساهل وبرفق وإعانة على تحصيلها، فلذلك جعل لينه مصاحبًا لرحمةٍ من الله أودعها الله فِيه، إذ هو قد بعث للنَّاس كافّة، ولكن اختار الله أن تكون دعوته بين العرب أولَ شيء لحكمةٍ أرادها الله تعالى في أن يكون العرب هم مبلغي الشَّريعة للعالم.
والعرب أمَّة عُرفت بالأنفة، وإباء الضيم، وسلامةِ الفطرة.
وسرعةِ الفهم.
وهم المتلقُّون الأوّلون للدين فلم تكن تليق بهم الشّدة والغلظة، ولكنّهم محتاجون إلى استنزال طائرهم في تبليغ الشريعة لهم، ليتجنّبوا بذلك المكابرةَ الَّتي هي الحائل الوحيد بينهم وبين الإذعان إلى الحقّ.
وورد أن صفح النَّبيء صلى الله عليه وسلم وعفوه ورحمته كان سببًا في دخول كثير في الإسلام، كما ذكر بعض ذلك عياض في كتاب الشفاء.
فضمير {لهم} عائد على جميع الأمَّة كما هو مقتضى مقام التَّشريع وسياسة الأمَّة، وليس عائدًا على المسلمين الَّذين عصوا أمر الرسول يوم أُحُد، لأنَّه لا يناسب قوله بعده: {لانفضوا من حولك} إذ لا يُظنّ ذلك بالمسلمين، ولأنَّه لا يناسب قوله بعده: {وشاورهم في الأمر} إذا كان المراد المشاورة للاستعانة بآرائهم، بل المعنى: لو كنت فظًّا لنفرك كثير ممّن استجاب لك فهلكوا، أو يكون الضّمير عائدًا على المنافقين المعبّر عنهم بقوله: {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} [آل عمران: 154] فالمعنى: ولو كنت فظًّا لأعلنوا الكفر وتفرّقوا عنك، وليس المراد أنك لنت لهم في وقعة أُحُد خاصّة، لأنّ قوله بعده: {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك} إلخ ينافي ذلك المحمل.
والفَظّ: السيء الخلق، الجافي الطبع. اهـ.

.قال الفخر:

قال الواحدي رحمه الله تعالى: الفظ، الغليظ الجانب السيء الخلق، يقال: فظظت تفظ فظاظة فأنت فظ، وأصله فظظ، كقوله: حذر من حذرت، وفرق من فرقت، إلا أن ما كان من المضاعف على هذا الوزن يدغم نحن رجل صب، وأصله صبب، وأما الفض بالضاد فهو تفريق الشيء، وانفض القوم تفرقوا، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْوًا انفضوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] ومنه: فضضت الكتاب، ومنه يقال: لا يفضض الله فاك.
فإن قيل: ما الفرق بين الفظ وبين غليظ القلب؟
قلنا: الفظ الذي يكون سيء الخلق، وغليظ القلب هو الذي لا يتأثر قلبه عن شيء، فقد لا يكون الإنسان سيء الخلق ولا يؤذي أحدا ولكنه لا يرق لهم ولا يرحمهم، فظهر الفرق من هذا الوجه. اهـ.